جاذبية الصليب
حين يموت قائد ديني، فإنه يفقد الكثير من تأثيره، ذلك لأن شخصيته التي تثير الإعجاب، وقوة إقناعه للبشر، وتأثير قداسة حياته، كل هذه لها التأثير على الآخرين، وفقدانها قد يفقد القائد الديني تأثيره.
نعم، قد يحيي الناس ذكرى قائدهم لمدة ما بعد موته، إلا أن هناك حدوداً للتأثير على الذاكرة، إذ سرعان ما يتناسى الناس تلك الذكرى تدريجياً، ويهجره المراءون علناً، ويتخلى عنه فاترو المحبة، وهكذا يضمحلّ تأثيره عليهم.
أما الرب يسوع فإنه لم يفقد تأثيره نتيجة موته على الصليب، بل بالعكس فإنه بموته هذه استطاع أن يجذب البشر إليه. نعم، لقد كانت هناك قوة جاذبة في شخص المسيح، وفي حياته، وتعاليمه.. ولكن القوة الرئيسية لجاذبيته، تكمن في موته على الصليب. فإن كنا في أيامنا هذه نجد السيدات يتزين بحمل الصليب، والرجال يرون فيه علامة فخار، إلا أن الصليب في زمن المسيح كان كالمشنقة في أيامنا. فالمواطن الروماني ما كان يُحكم عليه بالصلب، إلا إذا ارتكب جريمة شنيعة، والعبيد فقط هم الذين يُصلبون. والمسيح، حين نزل إلى عمق العار والألم، جذب إليه الكثيرين. فالمخلص المتألم قد يحبه البشر، لكن المخلص المصلوب لا بد أن يحبه الجميع.
إن سر مجد المسيح هو في اتضاعه، وسر نصرته أنه احتمل عار الصليب، فعار الصليب لم يكن عارا لرسالته، لكنه أضفى عليها مجداً وفخاراً. والمسيح وأن بدأ وكأنه مات في ضعف، إلا أن هذا لم يضعف المسيحية.. والكنيسة بعد ذلك انتصرت عن طريق الألم وموت الشهداء، فمحبة المؤمنين لسيدهم التي هي أقوى من الموت، جعلت الكنيسة منتصرة وسوف تظل كذلك دائماً.
إن واجبنا هو أن نقدم المسيح المصلوب، ذلك لأن المسيح بغير صليب، ليس مسيحاً على الإطلاق. نعم، هو الإله المتجسد، لكنه مع ذلك سُمِّر على الصليب، وعن هذا الطريق انتصر على الشيطان، وينتصر على العالم، وعلى قلوب البشر، كما قال بفمه الطاهر: "وأنا إن ارتفعت عن الأرض [أي على الصليب] أجذب إليّ الجميع
ولاتنسون الردود